الكآبة الليلية تأتي غالباً بعد الغروب ويكون الجسم مجهداً وبحاجة للراحة وبحاجة طبيعية للنوم إضافة إلى فتور الطاقة بعد يوم عمل (ففتور الطاقة يفتح الباب للكآبة) (قانون) فكل ضعف جسمي وكل مرض هو من عوامل الكآبة إذا اجتمعت معه عوامل أخرى ( نفسية أو اجتماعية أو عملية ومهنية وغيرها من العوامل ) .
النهار عالَم والليل عالَم والإنسان في الليل هو غير الإنسان في النهار ورؤيتنا للدنيا تختلف في الليل عن رؤيتنا لها في النهار لهذا قالوا ( كلام الليل يمحوه النهار ) .
الليل يفتح باب الطموحات العاطفية والمعنوية وتقدير الذات والإحساس بالإهانة والإحساس بالتهميش فتخرج الهموم في هذا الوقت لأنه ليس هناك مجال لخروجها أثناء العمل في النهار .
النهار يفتح مجال للعقل (أ) أكثر والليل يفتح المجال للشعور (ب) وحينها تظهر المشكلات التي عند الشعور وهذا لا يعني أنه كلما انفتح الشعور سينفتح على الكآبة بل ربما العكس لكن وجود معاناة غير محلولة يجعلها تخرج كلما قلَّ التركيز على خارج الذات لأن العمل ليس له علاقة بالمشاعر ويحتاج إلى تركيز وبالتالي تنسى همومك معه .
مرض الكآبة الليلية قديم ولم يلتفت له أحد وربما حتى هذه اللحظة لم يسمه أحد بهذا الاسم حتى الشعراء يذكرونه فالنابغة قال :
وصدر أراح الليل عازب همه **** تجمع فيها الهم من كل جانب
أي إذا جاء الليل جاء بالهموم مثلما تتجمع الغنم بالليل إلى حظائرها في رواحها .
والشعراء شكواهم وأنينهم غالباً ما تكون في الليل بل حتى أن الشعر يبدو أنه يُنظم بالليل لأن عالَم العقل (أ) والواقع يضعف بالليل فليس هناك مجال عمل إلا قليلاً فبالتالي ينفتح عالم الشعور (ب) فكلما يتوقف الانشغال العقلي ـ أو الألفي – فإنه ينفتح الوجدان .
هذه الكآبة تأخذ قليلاً من الوقت ثم يبدأ الشخص يتأقلم مع وضع الليل وتتضح أكثر إذا كان عند الشخص مشكلة وجدانية طويلة الأمد وأن يكون عنده معاناة يتناساها بالعمل .
الكآبة هي فقدان طعم الحياة أو بعبارة أدق فقدان طعم ما يراه الشخص أنه متعة وهي تحمل خوفاً من أن يستمر الشخص على هذه الحال لأنه لن يستطيع حينها أن يواصل الحياة بهذا الشكل الكآبة في صميمها تدور حول فقدان الأمل فدائماً مشكلة الكآبة هي بآمال تُفـتَـقد ولا تجد تعويضاً لها .
دمتم بخير .