أهمية تعلم تلاوة القرآن الكريم ..؟

قياسي
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين :
أهمية تعلم الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم ..؟

 

سؤال : عندما أستمع إلى بعض القرّاء أجد أن طريقة وقوفهم على بعض الآيات مختلفة ، فقد يقف قارئ ما في مكان محدد من الآية في حين أن القارئ الآخر لا يقف في هذا المكان فأريد أن أعرف ما هي الطريقة الصحيحة في الوقف بين الآيات ؟ 

الجواب :
الوقف والابتداء في تلاوة القرآن الكريم من أدق العلوم التي تنبئ عن فهم القارئ لكتاب الله تعالى ، وتكشف من أسرار معاني الآيات الكريمة ما لا يحصى عددا ولا ينقضي عجبا .
ويتفاوت القراء ما بين حريص على العناية بهذا العلم الدقيق ، ومَن يغلب عليه الحرص على التغني بالقرآن الكريم من غير عناية بالالتفات إلى أسرار الوقف والابتداء .
وقد نعى الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما على الصنف الثاني من القراء فقال :
( لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَأَحَدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَلَّمُ حَلاَلَهَا ، وَحَرَامَهَا ، وَآمِرَهَا ، وَزَاجِرَهَا ، وَمَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ ).
ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالاً يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِى مَا آمِرُهُ ، وَلاَ زَاجِرُهُ ، وَلاَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ ، فَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ ) رواه الطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (4/84) ، والحاكم في “المستدرك” (1/91) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (3/120) جميعهم من طريق عبيد الله بن عمرو , عن زيد بن أبي أنيسة , عن القاسم بن عوف , قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول … فذكره .
قال الحاكم رحمه الله :
” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعرف له علة ، ولم يخرجاه ” انتهى .
ونضرب مثلا هنا على ضرورة مراعاة الوقف الحسن وتجنب الوقف القبيح الذي يقلب المعنى ويحرف الآية عن سياقها ، وذلك كالوقف على كلمة ( قالوا ) في قوله تعالى : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) آل عمران/181 ، فتأمل بشاعة البداية بـ ( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ) .
وكذلك تأمل تغير المعنى إذا وقف القارئ على قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ) ، فالوقف هكذا يوهم أن الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحسنى أيضا ، وهذا قلب تام للمعنى ، لذلك فالوقف الحسن أن يقرأ ( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ) ويقف ، ثم يبتدئ قوله عز وجل : ( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الرعد/18 .
وهكذا يوضح هذان المثالان أهمية تعلم الوقف والابتداء ، وأن هذا الفن يحتاج إلى فهم سليم لكتاب الله الحكيم ، ونظر دقيق في معاني الآيات الكريمة ، وقد لا يتيسر ذلك لعوام المسلمين ، لذلك قام العلماء المشرفون على طباعة المصاحف الشريفة بوضع علامات الوقف الحسن الذي يفضل الوقوف عنده ، والوقف اللازم الذي يجب الالتزام به ، والوقف الممنوع الذي يبين مواضع الآيات التي لا يجوز الوقوف عندها ، وبهذا يتمكن جميع المسلمين الالتزام بها أثناء تلاوتهم في المصحف الشريف ، ويسهل عليهم معرفتها بدلا من التفتيش في بطون أمهات كتب علم ” الوقف والابتداء ” .
يقول الشيخ عبد الفتاح المرصفي رحمه الله :
” ينبغي لكل مَعْنيٍّ بتلاوة القرآن الكريم ، مجتهد في إيفائها حقها ومستحقها أن يُقبل عليها ويصرف همته إليها ، إذ لا يتحقق فهم كلام الله تعالى ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك ، فربما يقف القارىء قبل تمام المعنى ، ولا يصل ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده ، وعندئذ لا يفهم هو ما يقول ، ولا يفهمه السامع ، بل ربما يفهم من هذا الوقف معنى آخر غير المعنى المراد ، وهذا فساد عظيم ، وخطر جسيم ، لا تصح به القراءة ، ولا توصف به التلاوة .
وقد أوجب المتقدمون من الرعيل الأول على القارىء معرفة الوقف والابتداء لما جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ، فقد ثبت أن الإمام عليّاً رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى : ( وَرَتِّلِ القرآن ) المزمل/4 ، فقال : الترتيل معناه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ” انتهى من “هداية القاري إلى تجويد كلام الباري” .
يقول الشيخ عبدالله الجديع :
” أذهب في حق عموم المسلمين اليوم إلى أن يأخذوا بما بين لهم في المصاحف من علامات الوقف ، وينبغي عليهم أن يلاحظوا ما ذكر من التعريف بتلك العلامات في أواخر المصاحف ، ويستعمولها على الصورة التي بينت لهم ، فإن ذلك معين على تدبر القرآن وفهمه ، خاصة ما كان منه من الوقف اللازم ، فعليهم التزام الوقف عنده ، وما كان من الممنوع فلا يوقف عنده إلا ما كان منه عند رؤوس الآي ، ويترك الوقف في موضع ليس فيه علامة وقف أصلا ، لا أستثني من هذا إلا من أوتي حظا من فهم القرآن ، وعدة واقية من الخطإ في ضبط المعنى من أهل العلم والذكر ، فهؤلاء قد يستحسنون مواضع للوقف باجتهادهم في تدبر القرآن ” انتهى من “المقدمات الأساسية في علوم القرآن” (ص/452) . 
ونصيحتنا هنا أن يحرص المتعلم على استماع تلاوة كبار القراء ، الذين يعتنون بالتلاوة والتجويد ، والذين سجلت تلاوتهم للقرآن الكريم بإشراف لجان من العلماء وكبار القراء ، كالختمات الصوتية الصادرة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، ونحوها .
كما نوصي بالقراءة في الكتب المتخصصة في هذا الجانب ، والتي من أهمها ” المكتفى في الوقف والابتدا ” لأبي عمرو الداني ، و ” معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتدا ” محمود خليل الحصري .
وانظر : ” هداية القاري إلى تجويد كلام الباري ” عبد الفتاح المرصفي (1/365-415) . 
الاسلام سؤال وجواب

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم
واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم
اللهم إجعلنا من أهل القران أهلك وخاصتك في الارض
وجعلنا ممن يقيمون حدوده لا حروفه
ورزقنا تلاوته آناء الليل واطراف النهار .
دمتم بخير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *