خالد بن الوليد -رضي الله عنه ..؟

قياسي

إن التاريخ الإسلامي يزخر بالإنجازات العسكرية الكبيرة والأعمال المجيدة التي حققتها جيوش المسلمين، فقد نشأ جيل الصحابة على كتاب الله تعالى مستنيرين بنور الوحي مهتدين بسنة رسول الله ﷺ وحكمته، قال تعالى {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } (آل عمران: 164).

لذلك لما ظهر الإسلام في موطنه الأصلي في الجزيرة العربية انتشر كالموج العاتي عبر معظم أقطار العالم المعروفة آنذاك، وتمت الفتوحات الإسلامية على يد محاربين شجعان يشتعلون حماسة للدين الجديد تحت قيادة قادة ملهمين وعباقرة ستظل انتصاراتهم خالدة على مر السنين، وكان من أعظم هؤلاء القادة سيف الله خالد بن الوليد، البطل الصنديد الذي لم يقهر في أي معركة والذي دحر كل جيش تجرأ بالوقوف في وجهه. (جنرال أكرم، سيف الله خالد بن الوليد.. دراسة عسكرية تاريخية، ص 10)

ولأن خالدا -رضي الله عنه- من الشخصيات البارزة جدا -خصوصا في الجانب العسكري- فإنه لم يسلم من ألسنة أهل الشبهات وأعداء الإسلام الذين لم يتركوا شخصية عظيمة أو قدوة بارزة إلا أساؤوا إليها زورا وبهتانا.

وجاء التشويه لسيرته من الفئة التي أرادت نيل الشهرة أو ربما ظنت أنها تجيد الطرح وتخلق وعيا تاريخيا للأجيال أو قاصدة تعزيز تيار التشويه والتحريف لدين الله وسير أولي العزم من المرسلين والصحابة والتابعين والصالحين والمحدثين ورموز الإصلاح والمفكرين والمجددين، فأخطأت خطأ فادحا وأساءت التقدير، وغالت في الوصف بحق هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- الذي ذكره رواة التاريخ الغربيون والمستشرقون، قبل أن يذكره رواة التاريخ المسلمون وحماة الحق الموحدون، وأكدوا على دوره في نشر الدين بكلمة الحق وفتح الأمصار سلما لا جورا وبطشا بل عدلا وصلحا ومسالمة وتعايشا لمن سالم وقنع، وحربا لمن طغى وتجبر وأصر على الضلال والوقوف في صف المشركين وأهل الباطل.

أولا: التعريف بخالد بن الوليد رضي الله عنه.. أصله ونسبه

هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، ويكنى بأبي سليمان، وأمه لبابة بنت الحارث، أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، مدحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا عنه “نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله”.

كان إسلامه قبل فتح مكة، وكان والده سيدا في قريش، ولقب بريحانة قريش، يلتقي نسبه بالرسول -عليه الصلاة والسلام- بمرة بن كعب، وقد كان -رضي الله عنه- حريصا على تربية أبنائه على الفروسية والحرب واستخدام الأسلحة، كما كان شديد العداء لرسالة الإسلام وللرسول قبل إسلامه.

وصف خالد بن الوليد بأنه شخصية عسكرية محنكة وقائد مغوار في الحروب، وله انتصارات عظيمة بما عرف عنه من الشجاعة والإقدام والذكاء الحربي وحسن الحيلة والقدرة على التنظيم والبراعة في التنفيذ.

ثانيا: دور خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في الفتوح وإعلاء كلمة الله

اعتنق خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الإسلام بعد أن جاوز الـ40 من عمره بعد أن تلقى كلاما من رسول الله ﷺ عبر أخيه يقول فيه “لو جعل خالد نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له، ولقد مناه على غيره…”، فأسلم خالد في السنة الثامنة للهجرة، وذهب للنبي ﷺ برفقة عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- وأعلن إسلامه، ففرح النبي ﷺ واستبشر خيرا.

كان لخالد بن الوليد بعد إسلامه مشاركة واضحة في كثير من المعارك الحاسمة، فقد شارك في 5 من المعارك الكبرى في حياة النبي ﷺ وكان له دور بارز فيها، وكانت له القدم الراسخة في تثبيت المسلمين ومعونتهم.

شارك خالد بن الوليد في غزوة مؤتة بعد استشهاد 5 من القادة، ثم أخذ الراية، واستطاع بحنكته أن يحافظ على الجيش الإسلامي بخطة قوية وحنكة ذكية، كما كان له دور في فتح مكة، حيث جعله النبي ﷺ قائدا لإحدى المجموعات الأربع للجيش الإسلامي ليدخل مكة من الجنوب باتجاه الشمال، وأوصى النبي ﷺ بعدم قتل أي أحد إلا من قاتل.

وقاتل سيف الله خالد مع المسلمين في غزوة حنين، وكان في مقدمتهم وأصيب بجراح بليغة آنذاك، وعلى الرغم من إصابته فقد قاتل حتى كان النصر حليفا للمسلمين.

وقد أرسله النبي ﷺ في سرية إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل الذي كان على الدين النصراني، فنصب له كميا واستطاع بذلك أخذ أكيدر أسيرا إلى رسول الله، فصالحه النبي ﷺ على الجزية وأطلق سراحه.

هذه بعض الغزوات والمعارك التي شارك فيها خالد -رضي الله عنه- في حياة النبي ﷺ، وله تاريخ كبير وحافل من الفتوح والانتصارات بعد حياة النبي ﷺ في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. (فتح بلاد الشام والعراق، بسام العسلي)

ومن المعارك التي شارك فيها خالد بعد حياة النبي ﷺ ولم يهزم بواحدة منها:

  • يوم اليمامة
  • يوم مقتل مسيلمة
  • حروب المرتدين
  • ذات السلاسل
  • المزار
  • الولجة
  • عين التمر
  • الأنبار
  • موقعة عقربا
  • فتوحات العراق والشام
  • معارك دمشق وحمص (علي الصلابي، عمر بن الخطاب، 2003).

ثالثا: وفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه

وفي بلاد الشام (أرض الجهاد) في حمص تحديدا سنة 21 للهجرة ألمّ بخالد -رضي الله عنه- مرض الموت وأحاطت به سكراته بعد مسيرة عظيمة من الدعوة والجهاد في سبيل الله.

لم يكن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- رجلا عاديا، بل كان قامة تاريخية عظيمة وصحابيا جليلا ومن رجالات الإسلام الذين أسسوا لدعوة الله ورسالة التوحيد في الأرض، ومن حماتها العظام الذين نشروا الدين وفق المنهج القرآني في الجهاد والتعامل مع غير المسلمين ومعرفة الحق والذود عنه، ودفع الباطل ومحاربة أهله، ولم يترك معركة ولا فتحا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد إسلامه) ولا معركة أيام أبي بكر الصديق إلا وبذل الغالي والرخيص ليكون على رأسها فاتحا ومنتصرا بقوة الله وعزيمة الحق وأخلاق المؤمنين، أما ما قيل عنه من زور وباطل فهو زبد يذهب جفاء، قال تعالى {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} (الرعد: 17) .

دمتم بخير .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *