التركيز على أخطاء الآخرين
أما معيار التباين بينهم فهو مقدار خطئهم وما هي أثره وقوته على الرغم من أن الخطأ هو خطأ في كل حالاته، وعندما تقول بأنك لا تخطئ فأنت من كوكب آخر غير كوكب الأرض، وإن كنت من كوكبنا فأبشّرك أنك ستخطئ كثيراً، والناس لا يقرون النجاحات بل هم غالباً ما يركزون على الأخطاء بدلاً من النجاحات، وهذا الأمر لا يعزز الاجتهاد، فإن كنت مثلاً مديراً لأحد الشركات .
واجتهدت مثلاً في مئة قرار وأخطأت في عشرة فأنت في عين المجتمع مخطئ في عشر قرارات، بل وقد يتم فصلك من عملك بدعوى أنك تخطئ، ولا ينظر لإنجازاتك التسعين من القرارات الصائبة.
فهذا هو الواقع في الأغلب مع الأسف، فلا تكن بهذه الصورة من الأغلبية بل اتجه إلى الاتجاه الآخر، اتجاه تعزيز الاجتهاد، وتغافل عن الزلات، لأن الناس غير معصومين وسيقعون بالأخطاء بشكل كبير، أما إن ركزت على أخطائهم فأنت المتأذي بالدرجة الأولى، وأنت من يحمل الهم، سامح واصفح لتكن أنت الرابح.
الفرق بين القبول بالخطأ وتقبُّل الخطأ
هذا لا يعني أن تقر بالأخطاء أو أن تقبلها، بل نحن نقول لك بأن تتقبلها فالفرق كبير بينهما، فالقبول يعني أنك تقبل بتكرار هذه الأخطاء وتقبل بالتعدي على الحقوق والواجبات، أما تقبلك للأخطاء فهذا يعني أنك تعرف مسبقاً بأن الآخرين غير معصومين وتلتمس لهم ألف عذر وعذر، وإنما لا تسمح بتكرار الخطأ، أو أن تسمح بالتفريط في حقوقك.
ضرورة التسامح اتجاه أخطاء الآخرين
المتسامح هو الأقوى والأعز، كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم “ما ازداد عبدٌ بعفو إلا عزاً” رواه مسلم 2588.
فلم يجعل العز معرّفاً بل جاءت نكرة، أي أن العز الذي يأتي للمتسامح هو عزّ مطلق عند الله وعند خلقه وعند البشر وفي الآخرة، فالمتسامح هو الأقوى والأعز في الدنيا والآخرة، لأن التسامح يحتاج لقوة نفس وهو ليس بالأمر السهل، فالتسامح هو سلامة القلب والعقل، ومن يظن أن المتسامح ضعيف فقد ابتعد عن الصواب، لأن المتسامح هو الأقوى والأعز.
أما من يعتقد بأن المتسامح من يفرط بحقوقه فقد ابتعد أيضاً عن جادة الصواب، فقد يكون لي دَين على أحد ما فأنا أسامحه وألتمس له ألف عذر وعذر، ومع تسامحي هذا له فإنني لا أفرط بحقوقي وأرفع عليه دعوى قضائية، ويوم الدعوة إن تعطلت سيارته فإنني آخذه بسيارتي إلى القضاء وأنا أسامحه من كل قلبي أما حقوقي فلا أتنازل عنها، فهذا شيء وذاك آخر.
العز الذي يأتي للمتسامح هو عزّ مطلق عند الله وعند خلقه وعند البشر وفي الآخرة
فوائد تقبُّل الإنسان لأخطاء أخيه الإنسان
تقبلك لأخطاء الآخرين يزيح تلال وجبال من على أكتافك ويريحك من الأحقاد والضغائن ويزيح الهم وأمراض القلوب عنك، ويجعلك تدخل إلى مواصفات النفس المطمئنة التي تعيش من خلالها حياة طيبة.
وما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب غيره، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وجيرانه.
قال الإمام “أحمد بن حنبل” رحمه الله: تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.
كما جاء في تهذيب الكمال لابن الجوزي رحمه الله.
فلا يوجد أحد فعل الإحسان أي التنازل عن الحقوق إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ عندما قال لأهل مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء، ويوجد شخص آخر فعلها ولكن نسبياً وليست مطلقة كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها تعتبر إحساناً ونقرّ بها وهو “نيلسون مانديلا” الذي شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا، وكان أول رئيس أسود اللون لجنوب أفريقيا، فقد مكث في السجن 27 عاماً ظلماً واعتداءً، إلا أنه سامح سجانه وازداد عزاً وقوة ورفعة بتسامحه هذا.
فتقبلك لأخطاء الآخرين ومسامحتهم تحفر لك أساساً متيناً في علاقاتك الاجتماعية وتجعلك شخصاً محبوباً ومقبولاً فاصفح عن زلات الآخرين وتقبل نقصهم وأخطاءهم لأنهم بشر .
دمتم بخير .