إن من المكارم العظيمة والفضائل الجسيمة : البر والإحسان إلى الضعفاء ورعاية حقوقهم والقيام بواجباتهم وتعاهد مشكلاتهم والسعي في إزالة المكدرات والهموم والأحزان عن حياتهم إن هذا من أعظم أسباب التيسير والبركة و أنصراف الفتن و المحن و البلايا و الرزايا عن العبد و سبب للخيرات و البركات المتتاليات عليه في دنياه وعقباه .
لقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما تُنصَرون بضعفائكم )) [1]
وقال صلى الله عليه وسلم: (( أبغوني ضعفاءَكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفاءكم )) [2]
فمِن هؤلاء الضعفاء في المجتمع الإنساني : المُسِنُّ لأنه يصاحب المرء مرحلةَ الكبر ضعفٌ عام بحيث تظهر بعض التغيرات على جسم الإنسان في حالة تقدمه في السن مثل تجعد الجلد وجفافه وثقل في السمع وضعف في البصر والشم والحواس بشكل عام وبطء الحركة وتغير لون الشعر وما يحدث من ضعف في العظام وانخفاض لحرارة الجسم وضعف الذاكرة والنسيان وبروز هذه التغيرات يتطلب الرعاية الخاصة بهم فيما يلي نذكر بعض الفضائل لكبار السن في الإسلام وما شرع لهم الإسلام من حقوق وواجبات .
ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يرشدنا إلى حق الكبير : (( مَن لم يرحم صغيرنا ويعرِفْ حقَّ كبيرنا، فليس منا )) .
وعن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((ألا أنبئكم بخياركم؟!)) قالوا : بلى يا رسول الله قال : ((خيارُكم أطولُكم أعمارًا إذا سددوا))[5].
وروى أبو هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((خيارُكم أطولكم أعمارًا وأحسنكم أعمالًا )) [6] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الخير مع أكابرِكم))، وفي رواية: ((البركة مع أكابركم)) [7] .
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما مِن مُعمَّر يُعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا دفع الله عنه أنواع البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ الخمسين هوَّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كُتبت حسناتُه ومُحيت سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسيرَ الله في أرضه، وشفع في أهل بيته )) .
♦ كما تَدين تُدان :
فإذا أحترمنا الكبير ورعينا حقوقه يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حقوقنا جزاءً من جنس إحساننا وسيأتي علينا يوم نكون فيه كبراء مُسنِّين ضعيفي البدن والحواس في احتياج إلى من حولنا أن يرعوا حقنا وإن كنا مضيعين حقوقهم في شبابنا فسيضيع الشباب حقوقنا في كبرنا .
لأن الله عز وجل يقول :
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن : 60]
وفي مقابل ذلك : ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى ﴾ [الروم : 10] فإن جزاء الإحسان الإحسان والإساءة جزاؤها الإساءة ولذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم – وفي سنده كلام – أنه قال : ((مَن أهان ذا شيبة لم يمُتْ حتى يبعث الله عليه مَن يهين شيبه إذا شاب)) [9].
وفي رواية عن أنس مرفوعًا بلفظ : ((ما أكرم شاب شيخًا لسنِّه، إلا قيَّض اللهُ له مَن يكرمه عند سنِّه)) [10]
فهذا الحديث يبين أن إحسانَ الشباب للشيخ يكون سببًا لأن يقيِّض الله له من يكرمه عند كبره ومن العلماء من قال : إن في هذا الحديث دليلًا على إطالة عمر الشاب الذي يكرم المسنين .
من حقوق الكبير :
♦ توقيره وإكرامه : إن مِن تعاليم الإسلام في حق الكبير توقيره وإكرامه، بأن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في القلوب، وكان ذلك مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وجعله مِن هديه وسماته وصفاته .
♦ طيب معاملته : إن مِن حقوق الكبير في الإسلام أن يُحسَن معاملاته بحسن الخطاب وجميل الإكرام وطيب الكلام وسديد المقال والتودد إليه فإن إكرام الكبير وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله عز وجل فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن مِن إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم)) .
♦ بَدْؤه بالسلام : إن مِن حقوق كبير السن إذا لقيناه أن نبدأه بالسلام مِن غير انتظار إلقاء السلام منه احترامًا وتقديرًا له فنسارع ونبادر بإلقاء السلام عليه بكل أدبٍ ووقار واحترام وإجلال بل بكل معاني التوقير والتعظيم بل نراعي كِبَرَ سنه في إلقاء السلام بحيث يسمعه ولا يؤذيه . فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : (( يسلم الصغير على الكبير والراكب على الماشي )) .
♦ إحسان خطابه : وإن مِن حقوق كبير السن إذا حدثنا كبير السن أن نناديه بألطف خطاب وأجمل كلام وألين بيان نراعي فيه احترامه وتوقيره وقدره ومكانته بأن نخاطبه بـ “العم” وغيره من الخطابات التي تدل على قدره ومرتبه ومنزلته في المجتمع بكبر سنه .
♦ تقديمه في الكلام : إن مِن حقوق الكبيرِ في السن أن نقدمه في الكلام في المجالس، ونقدمه في الطعام، والشراب والدخول والخروج .
فقد ورَد في الحديث النبوي الشريف عن سهل بن أبي حثمة
قال : أنطلق عبدُالله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبدالله بن سهل وهو يتشمط في دمه قتيلًا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبدالرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبدالرحمن يتكلم فقال : ((كبِّرْ، كبِّرْ)) وهو أحدث القوم فسكت فتكلَّما .
♦ الدعاء له : وإن مِن إجلال الكبير وحقه علينا أن ندعو له بطول العمر، والازدياد في طاعة الله، والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية، وبحُسن الخاتمة، وحثَّ اللهُ عز وجل الأبناء على الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].
♦ مراعاة وضعه وضعفه : إن الإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون غضًّا، طريًّا، طازجًا، لين الأعطاف، قوي العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة فتضعف قواه، فيتغير طبعه، ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ، فصور الله عز وجل .
هذه الأحوال في القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54].
يعني أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسية: ضعف، ثم قوة، ثم ضعف، ولكن هذا الضعف الأخير هو الشيخوخة والكهولة.
وقال في موضع آخر: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5] .
خلاصة القول : أن نعتبرَ الأكابر خيرًا لنا وبركةً لنا في حياتنا وازديادًا في أرزاقنا وفي أعمارنا وأن الإساءة إليهم وسوء معاملتهم قد نجازى به في أواخر أعمارنا فلا بد لنا أن نحترم الأكابر ونجلهم ونكرمهم ونحسن الخطاب معهم ونخاطبهم بما يظهر به احترامهم وإعزازهم نبدأهم بالسلام، ونقدمهم في الكلام والسؤال وندعو لهم بزيادة العمر ليبقى لنا الخير ونرعاهم في صحتهم وضعفهم والاختلال في كلامهم ولا نسيء المعاملة معهم وإن كانا أبوين شيخين كبيرين فرعايتهما والاهتمام بأمورهما حق لازم علينا باعتبار أننا أبناؤهم وهم آباؤنا لأنهما سببان قريبان في وجودنا ولأننا مع أجسادنا وأعضائنا وأموالنا ملك لآبائنا ليس لنا أي وجود ولا أثر بغيرهما .
دمتم بخير .