» يُحْكى أن رجلاً كان يتجول لوحده في الأدغال حيث الطبيعة الخلابة و الأشجار الباسقة تحجب الشمس عن الأرض من شدة كثافتها، إنها أدغال إفريقيا، حيث العشب ينمو بسرعة وأصوات غريبة تنبعث من كل مكان ، فقد كان يستمتع بزقزقة العصافير من هنا وطنين النحل والحشرات الأخرى من هنا، وبين هذا وذاك كان يستنشق عبير الزهور التي التي تنبعث منها الروائح الزكية. وبين الفينة والأخرى يسمع خشخشة الزواحف تدبُّ بالقرب منه.
وبينما هو كذلك، إذ سمع صوتاً رهيباً من خلفه، فالتفت فإذا به أسد ضخم يعدو في اتجاهه يريد افتراسه، وقد بدا عليه علامات الجوع . ومن شده خوفه، انطلق الرجل يُسابق الريح ، يتعثر تارة بالأعشاب المتشابكة ، وتارة يقفز لا يدري أين يدوس . والأسد على إثره، يقترب منه أكثر فأكثر .
وفي لحظة خوف شديد ، حاول الرجل التعلق بغصن شجرة ، فإذا بالغصن ينكسر ، فقفز الرجل بعيداً علّه ينجو من الأسد، فإذا هو في البئر ، وبسرعة الخائف من الموت أمسك بحبل الدّلو ، وجعل يترنح ويتململ جهة اليمين والشمال علّه يجد ما يمسك به على جدار البئر. فوضع رجله داخل ثقب بين الأحجار ويده ممسكة بالحبل، وبدأ يسترد أنفاسه وبدأت فرائسه تهدأ وترتاح وهو داخل البئر . ولم يعد يسمع زئير الأسد. وظن أنه ناجٍ من هذه الورطة، فإذا به يسمع صوت فحيح ثعبان ضخم الرأس طويل القامة، يطل عليه من جوف البئر .وفيما هو يستجمع فكره لينظر كيف يتخلص من الأسد والثعبان إذا بفأرين أحدهما أسود والآخر أبيض متعلقان بالحبل و قد بدءا بتمزيقه.
داخل هذا المشهد الرهيب كاد الرجل أن يغمى عليه من الخوف، ففكر في إزاحة الفأران عن طريق تحريك الحبل بالهز والإفلات ومع التصاق الفأران بالحبل ضاعف عملية الهز وتحريك الحبل .
فأصبح يتحرك يميناً وشمالاً بداخل البئر ويصدم بجدرانه, وبينما هو في اصطدام متكرر أحس بشيء رطب ولزج يلمس مرفقه فإذا به شهد من عسل بناه النحل كما يفعل في الجبال وعلى الأشجار و الكهوف .
فعمد الرجل إلى تذوقه، فأعجبته حلاوته فاستمر في لعقة. ومن شدة حلاوة العسل وعذوبته ، نسي ما يحيط به من هول وأخطار , وفجأةً فتح الثعبان فمه لافتراس الرجل ، فاستيقظ من النوم! فقد كان في حلم مرعب! وبعد أن طلع النهار، قصد الرجل عالماً خبيراً بتفسير الأحلام وحكى له قصته التي حدثت أثناء النوم , فضحك الشيخ وقال : سأنبئك بتأويل هذا الحلم الغريب :
أما الأسد الذي كان يجري ورائك فهو ملك الموت وأما البئر الذي به الثعبان فهو قبرك والحبل الذي تتعلق به هو عمرك أما الفأران الأسود والأبيض فهما الليل والنهار ينقصون من عمرك .
قال الرجل : وما معنى العسل يا شيخ ؟ قال : هي الدنيا التي أنستك حلاوتها ما ينتظرك من موت وحساب.
دمتم بخير .