كيف تكون الحياة بغير هذا القرآن
للإجابة على هذا السؤال لننظر إلى حياة الناس قبل البعثة، بل انظر إلى حياة الأحناف التي بقيت على التوحيد، فقد كانت حياة الأحناف قائمة على التعبد لله تعالى وهجر الأصنام .
ومع هذا قال الله تعالى لسيدهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم : “وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى” (الضحى:7)،
لقد سمى الله تعالى عدم العلم بهذا القرآن ضلالاً، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على أحسن الأخلاق، إذ تولاه الله تعالى برعايته فخلّقه بالأخلاق الفاضلة، ونفره من الذميمة، بل جنبه ما قد يخدش في الحياء، أو ينحط عن رتبة العليا، يبين ذلك أمر بناء الكعبة، فلما كانت قريش تجدد بناءها وبعضهم قد كشف عورته رفع النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه وفعل كما يفعلون فحدث ما دُوِّن .
في كتب السير قال الشيخ محمد عبد الوهاب رحمه الله: “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة، وكانوا يرفعون أزرهم على عواتقهم، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبط به – أي طاح على وجهه – ونودي: استر عورتك فما رؤيت له عورة بعد ذلك”(1).
ومع هذا وصف الله تعالى حياته قبل نزول القرآن بالضلال.
إن رحمة الله لعباده بهذا الكتاب الذي أنزله ليدَّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب عظيمة جداً، وقد فسر بعض المفسرين كلمة الرحمة في بعض الآيات بالقرآن، ففي قول الله تعالى: “وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” (البقرة: من الآية105) قال القرطبي: “
قال قوم: الرحمة القرآن”(2)، ولا شك أن القرآن من أعظم الرحمات، وقال كثير من المفسرين في قول الله تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” (يونس:58) فضل الله الإسلام ورحمته القرآن،
قال الطبري: “يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك وبما أنزل إليك من عند ربك (بِفَضْلِ اللَّهِ) أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام فبينه لكم ودعاكم إليه (وَبِرَحْمَتِهِ) التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه وبصَّركم بها معالم دينكم وذلك القرآن، (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
يقول : فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل” – ثم ساق أسانيد إلى جمع من السلف الذين قالوا بهذا(3).
إن هذه النعمة العظيمة التي لم يقدرها بعض المسلمين حق قدرها فأداروا ظهورهم لخير الهدي وأعرضوا عنه تطبيقاً وتحكيماً، لا تعدلها نعمة ولا تدانيها، ولنسألن يوم القيامة عنها ماذا فعلنا في شكرها .
هل قمنا بواجبنا نحو القرآن أم بدلنا نعمة الله كفراً قال الله تعالى: “وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (الجاثية:28).
فهل أعددنا لذلك السؤال جواباً على مستوى الدول والأمم والشعوب والجماعات والأسر والأفراد ؟
إنه لا نجاة لمن خان نفسه فأوردها موارد الإعراض والهجر والصدود عن كتاب الله أعظم النعم إلاّ أن يتغمد الله أهل التفريط برحمته .
دمتم بخير .