على مدى سنوات عشرتهما الطويلة احتملت الكثير من عيوبه التي أفلح في التخلص من بعضها وعجز عن باقيها لكنها ظلت تحتملها دون تذمّر. إلا أنه حينما اختار عيش الموات وبدأ بسكب الكآبة السوداء على صفحات أيامها لم تطق ذلك، ولحظة شعرت أنها فقدت القدرة على بذل أي شيء لأجله، عندما تيقنت من عجزها عن العطاء انسحبت وغادرته للأبد.
لا يعلم كثير من الرجال أن المرأة عندما تفقد قدرتها على العطاء في منزل الزوجية تقرر فوراً الانسحاب والخروج من حياة الرجل. قد يكون انسحاباً علنياً تنال على أثره لقب مطلقة ورغم بغضه إلا أنها تفضله على أن تبقى دون أن تعطي. المرأة خلقت لترعى، وتحب وتنقذ، وتعطي، إنها لا تجد ذاتها إلا وهي تحيط من تحب بالرعاية والعناية وتغرقه بالعاطفة، إنها تستمتع وتلتذّ ببذل العاطفة أكثر من متعتها بتلقّيها. هذه مهمتها التي لا يمكنها أن تحيَا بدونها. وقد تنسحب داخلياً فتنطوي في ركن قصيًّ من بناء أسرتها الذي تآكل بفعل الجفاء والإهمال وعدم الاستقرار فإن كان لها صغار انحنت عليهم ترعاهم وتغرق فيهم متناسية كل ما سواهم وفي أعماقها الذي تتردد فيه أنات حنين دائم لأداء الدور الأهم لديها في الحياة، الدور المغذي لأهم مشاعر في وجدان المرأة حيث تمنحها السعادة والاستقرار النفسي والغذاء الروحي.. إنه دورها في حياة الرجل الذي خُلقت من ضلعه وتجد أمنها ومتعتها في العطف عليه والالتصاق به وإحاطته بكافة أنواع العناية.
كان الرجل منذ قديم الزمان مثال القوة المكتمل في عيني المرأة، وتماسكه وثباته مصدر أمنها وطمأنينتها، كان سكناً لنفسها ولَبُوسَ دفْءٍ في شتاء حياتها وظلاً في صيفها. مؤسف أنه لم يبق في العديد من أزواج اليوم شيء من هذه القيم التي تستند إليها حياة المرأة وتغذي شعورها بالإعجاب تجاه الرجل فتظل قادرة على العطاء له.
والمؤلم بالنسبة لها عدم استغنائها عنه وهي مطالبة بتوقيره ومحبته وبذل كل ما لديها بين يديه. لقد صعب كثير من الرجال هذه المهمة على المرأة باستسلامهم لضغوط الحياة وإبدائهم ضعفهم أمام المرأة متناسين أنهم بذلك يهدمون أركان أمنها ويزرعون في حياتها الألم متجاهلين طبيعتها وأنها مخلوق ضعيف ورقيق. المرأة تحتمل الكثير من متاعب الأعمال اليومية داخل المنزل مع الزوج والأولاد وجميع أفراد الأسرة بصبر يعجز عنه كل رجل ولو ليوم واحد. لقد خُلقت لذلك ويُسَّرت له، إلا أنها تنهار وتصبح في غاية الضعف والقلق والخوف إن شعرت بخطر يهدد الأسرة من الخارج.
مهمة كل رجل كريم نبيل حَجْبُ متاعب الحياة وأخطارها ومشاكلها خارج البيت عن المرأة. ما أقسى ذلك الرجل الذي يتلهّف للعودة إلى البيت ليلقي بأحماله الثقيلة على زوجته. إنها مهمتك فَلِمَ تلقي بها على أكتاف هذه المخلوقة المسكينة؟
إنها مهمتك التي نلت بها الدرجة وفُضَّلت بها على المرأة وأُعطيت بها القوامة فليس عدلاً التّشبّث بالدرجة والتملص من تبعاتها، مهمتك أن تبقى أمامها قوياً متماسكاً لتشعرها بالأمان، لتبقيها قادرة على العطاء.. مهمتك إمتاعها بكيان أسريّ قويّ متماسك مستقرّ ورجل قويّ متجدّد الحيوية دائم البشر .
دمتم بخير .