إنَّ اللهَ يُحبُّ العبد الخفي
نعى السائبُ بن الأقرع إلى عُمر بن الخطاب شُهداء المُسلمين في معركةِ نهاوند، فعدَّ أسماءً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال السائب: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين فبكى عُمر وقال : وما ضرَّهم ألَّا يعرفهم عُمر، إنَّ الله يعرفهم ⁶
وفي سِيَرِ أعلام النُّبلاء للذهبي قال: كان في جيش هارون الرَّشيد عشرون ألف مُجاهد لا يكتبون أسماءهم في ديوان الجُند، فلا يأخذون رواتبهم، كي لا يعرفهم أحدٌ إلا الله!
أما مُناسبة الحديث، فهو حين قُتل عثمان بن عفان كان سعد بن أبي وقّاص في البادية يرعى إبلاً له، فجاءه ابنه، فلما رآه سعد من بعيد قال: اللهم إني أعوذُ بك من شرِّ هذا الراكب! يبدو أنه بفراسته عرفَ أنَّه يحمل أخباراً سيئة، فلما وصل عنده قال له ابنه: أنتَ في إبلكَ وتركتَ الناس يتنازعون المُلك بينهم!
فقال له سعد: اسكُتْ، سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إنَّ الله يُحِبُّ العبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيّّ»!
والعبدُ الخفيُّ هو الذي يُخفي حسناته عن الناس كما يُخفي عنهم سيئاته، فيجعلُ بينه وبين الله خبيئة صالحة لا يعلمها إلا الله!
ليس بالضرورة أن يعرفَ الناسُ كل صدقةٍ تتصدَّقُ بها، فالرِّياءُ مَفسدةُ الأعمال، وإنْ لم يقصد المرءُ رِياءً فلعلَّه يجرح كرامة من تصدَّق عليه دون أن يدري، وترميمُ قُلوبِ الناس وحفظُ كراماتِهم مُقدَّمٌ على إعانتِهم وترميمِ جيوبِهم!
ليس بالضرورة أن تُوثِّق كل عمل خير تعمله، ولا كل عبادة تقوم بها، لقد كلَّف اللهُ سُبحانه الملائكةَ بهذا الأمر، فأَرِحْ نفسك، كل ما عملْتَه من خير أو شر ستجده يوم القيامة أمامك في كتاب «لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها»!
كان ابن القيم يقول: الخوافي للخوافي!
وإني أقول:
مرضُكَ الذي لا يعلمه إلا الله، اجعلْ له صدقةً خفيةً لا يعلمها إلا الله!
والهمُّ الذي يربضُ على صدرك ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له استغفاراً خفياً لا يعلمه إلا الله!
القلقُ الذي يعتريكَ ولا يعلمه إلا الله، اجعلْ له ركعتين في الليل لا يراهما إلا الله!
قلةُ الرِّزق الذي نزلَ بك .