أصبحتُ أكثر يقينًا بوجود الحكم العدل ..؟

قياسي

نعم لقد فكرت بتلك الإمكانيّة

أيضًا إمكانيّة أن يكون كلّ ما أؤمن به خاطئًا

وأولها : وجود الإله وعالم الغيب والآخرة

وعندما فكرت أصبحت أكثر يقينًا بواقعيّة هذا الإيمان، أكثر من أيّ وقتٍ مضى .

لا أعرف ما هو الشيء الّذي يحرّك النّاس الّذين سقطوا للنّهوض مرّة أخرى، ما الّذي يجعلهم يبتسمون ويقولون: “لا بأس، لم يحدث شيء”، ما الّذي يجعلهم يتفائلونويأملون خيرًا بالمستقبل، عندما يشعرون بالحزن الشديد، الشديد جدًا.. بماذا يفكّرون؟

جمل التحفيز والتنمية البشرية والبطيخ المبسمر هذا لا يفيد في حالة كتلك! .. إذًا ما هو؟ سألت نفسي.. فوجدتني أطمئنها بعالم الغيب والجزاء واليوم الآخر.. لكن لحظة، ماذا لو لم تكن هناك آخرة أصلًا؟! هذا الشيء يشعرك بالضياع، ليس فقط لأنّه لا يجعلك تفهم: لماذا خُلقت. إنّما لأنّك لن تستطيع التعامل مع أبسط المشاكل -لو فكرت بمنطقيّة ولم تضحك على نفسك بجمل التنمية البشرية! – ، كيف يُمكنك أن تتقبل ذاتك؟ وشكلك؟ وحياتك؟ ومستواك المعيشي؟ وعائلتك؟ وو.. كيف يُمكنك أن تتعامل مع المصائب والابتلاءات وموت الأحبّة؟!! حسنًا.. “هذه سنّة الحياة” شيء واقعي ومنطقي وهو ما نؤمن به جميعًا، لكنّه لا يُريحك ولا يطمئك.. ماذا يعني هذا؟ هل يعني بأنّي لن أرى من توفي مرة أخرى؟!! هذا مُربك، وحزين ويدفعك للجنون .

بل انظر إلى وضع الناس اليوم.. الحروبات، والأمراض والمجاعات ووو.. تلك الحوادث الّتي يستغلها الملحدون ليُثبتوا أن لا وجود لـ إله!! لو كنت ملحدة -والعياذ بالله- كيف سأتعامل معها؟ كيف أتأقلم مع وضعي وأتقبّله؟ كيف يُمكنني أن أتفهم وأتقبّل برحابة صدر وإيمان ويقين كبير وجود حرب في بلادي أنا، ووجود مصائب في بيتي أنا، وأمراض فيّ أنا.. في حين لا يواجه إنسان آخر نفس تلك الأشياء، بل يعيش برخاء ونعمة… كيف يمكنني أن أتقبّل هذا الوضع (أتقبّل يعني أرضى ولا يعني عدم الرغبة في التغيير) إن لم أفهم بأن الله تعالى سيدخلني جنّته لو صبرت… إن لم أفهم أنّ الظالم سينال عقابه في النهاية…؟ آآه حسنًا ((قد)) ينال عقابه في الدنيا، لكن ربّما بعد أن أُسجن، وأعذَّب وأشرّد أنا وعائلتي.. وربّما بعد أن نذبَّح جميعًا!! وبعدها ينال الظالم جزائه… هاااا؟ وماذا استفدت أنا؟ لقد متّ قبل أن يموت ظالمي؟ عُذّبت وسُجنت وشُرّدت وكانت حياتي فقيرة بائسة ذليلة، أما هو، فقد قُتل نعم، لكنه عاش حياةً أفضل من حياتي!!

أرى تلك الابتسامة الماكرة على وجهك وأنت تقول: “الدين افيون الشعوب.. لأنّه جعلك تتقبلين مستواك المعيشي وحياتك، وتتقبلين الظلم والفقر والذلّ! ” .. يا مسكييين  بل يجعلني ذلك أوّل الثائرين، المتمرّدين على الظلم.. يجعلني أتقبّل هذا الأمر، أتقبّل وجودي فيه، أتقبّل واقع أنّني في حرب، وأتقبّل فكرة بأنّي سأموت فيها، وسيموت أحبّتي جميعًا، لكنّني مؤمنة بلقائي فيهم مرّة أخرى، موقنة بالجزاء العادل، مؤمنة بأنّ هناك حياةً أجمل من تلك الحياة التي أعيشها، ولذلك عليّ أن أثور، وأتعب، وأكافح… أتدري؟ لو كنتُ أؤمن بأنه لا حياة إلّا هذه الحياة لما حاربت من أجل شيء، دفاعي عن الحرية والكرامة سيُتعبني كثيرًا، وعلى الأغلب لن أُجازى بشيء، بل ربّما أُعدم على الملأ…. آآه نسيت! ((قد)) يذكرني التاريخ بخير، سأكون قدوة لجيل كامل، قد يصنعون لي تمثالًا، ويسمّون الجامعات والمعاهد والمتاحف باسمي… هل يستحقّ هذا الأمر كلّ ذلك التعذيب؟ لا أراه كذلك.. أُسجن فوق العشر سنوات حتى يصنعوا لي تمثالًا، ويكتبوا مئات الكتب عن سيرتي… إنّه شيء لا يستحقّ العناء!! أبدًا…. لكنها الآخرة، الآخرة وحدها من تستحق!

أصبحتُ أكثر يقينًا بوجود الحكم العدل أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

دمتم بخير .