الغفلة والمآسي الإنسانية ..؟

قياسي

الغفلة مرض خطير يصيب الكثير من الناس، ومشكلة الغفلة أن الناس لا يشعرون بها، ولا يدركون مخاطرها على حياتهم وبعد مماتهم، والغافل اللاهي يضيع نفسه ويظلم غيره، ولا يفيق من غفلته إلا على مصيبة كبيرة أو عندما يأتيه الموت.

زمن الغفلة

لا شك أننا نعيش في زمن الغفلة بصورها المتعددة، الغفلة عن الغاية التي خلقنا الله عز وجل من أجلها، وهي عبادته وعمارة الحياة، والغفلة عن أداء الواجبات والحقوق، خاصة حقوق الوالدين والأقارب، والغفلة عن تطوير أنفسنا والارتقاء بها، والغفلة عن اغتنام الأوقات، خاصة الأوقات الفاضلة كشهر رمضان، والغفلة عن الذكر، والغفلة عن التوبة، والغفلة عن الموت الذي يأتي بغتة.

ونظرا لخطورة الغفلة ورد التحذير منها في القرآن الكريم في عدة مواضع، يقول الله عز وجل:

“اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ” سورة الأنبياء: 1.

ويقول الله عز وجل “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” سورة الأعراف: 179.

ويقول الله عز وجل “وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ” سورة الأعراف: 205.

والتقصير في حق الله -عز وجل- غفلة عن أداء حقه المتمثل في الانقياد والطاعة والعبادة، وعقوق الوالدين هو نوع من الغفلة عن حقوق الوالدين.

الغفلة عن الحساب والظلم

غفلة الكثيرين عن الحساب في الآخرة ربما كانت سببا في جرأتهم على ظلم الآخرين والانتقاص من حقوقهم، ولذلك نجد التركيز في القرآن الكريم على الإيمان باليوم الآخر، وبأنه يوم الفصل ويوم الجزاء ويوم الحساب، حتى يردع الإنسان عن ظلم الآخرين في الدنيا.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال “لمَّا رجَعتُ إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مُهاجرةُ البحرِ قالَ ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ؟ قالَ فِتيةٌ منهم بلَى يا رسولَ اللَّهِ بينا نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ، فمرَّت بفتًى منهم، فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها، فانكسَرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفَعتِ التفتَتَ إليهِ فقالَت: سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا. قالَ: يقولُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ “صدَقَتْ صدَقَتْ، كيفَ يقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم” صحيح ابن ماجه: 3255.

ويقول الشاعر:

أما والله إِن الظلم شؤم .. ولا زال المسيء هو الظلوم
إلى الديان يوم الدين نمضي .. وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا .. غدا عند المليك من الغشوم

الغفلة عن الموت والتمادي في الباطل

أخطر أنواع الغفلة هو الغفلة عن الموت وعن مصير الإنسان بعده، وهو ما يدفع الكثيرين إلى الوقوع في أنواع متعددة من الانحرافات، كالانحرافات العقدية والفكرية والسلوكية.

والغفلة عن وجود الخالق المدبر المستحق للعبادة، والغفلة عن الموت وعن المصير بعده حاضرة وبقوة في حياة الملحدين مثل ستيفن هوكينج وغيره.

والملحد كولن ويلسون كتب قائلا:

الساعة الآن الثالثة ليلا، وقد أنهيت كتابة مقالة أنكر فيها وجود الله، وحين ذهبت لأنام لم أستطع إطفاء النور خوفا مما سيفعله الله بي.

وهذا النوع من الغفلة موجود أيضا في حياة أصحاب الانحرافات العقدية والفكرية ككثير ممن ينكرون الموت، ويقولون إن الجنة والنار أمور رمزية متخيلة وليست حقيقية، فكيف حال من مات منهم الآن؟

وفرعون كان في غفلة عن وجود الإله الحق المستحق للعبادة، وكان في غفلة عن الموت، وعندما جاءه قال كما حكى القرآن الكريم “حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” سورة يونس: 90.

وقارون كان في غفلة عن الرزاق سبحانه وتعالى، واغتر بعلمه وماله “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ” سورة القصص: 78.

والغفلة عن الموت والحساب هي سمة الطغاة والجبابرة في كل زمان ومكان، وهي التي أوردتهم موارد التهلكة بظلمهم للناس والاعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم.

لا تكن من الغافلين

الإنسان غالبا لا يفيق من غفلته إلا متأخرا بعد أن تحل المصائب بساحته إما في نفسه أو في ماله أو في أهله، والعاقل هو من يراجع نفسه ويحاسبها، ففي الحديث “الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله” سنن الترمذي: 2459.

فإذا أردت أن تحيا كريما بين الناس، وإذا أردت الفوز في الآخرة فكن يقظا دوما، واحسب حسابا لكل شيء، فإنك محاسب عليه ومجزي به إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والناس في غفلة فإذا ماتوا انتبهوا، فلا تكن من الغافلين.

دمتم بخير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *