تعددت أسباب نزولها وكان أول تلك الأسباب أنها قد نزلت في الصحابي (حاطب بن أبي بلتعة) الذي قام بالتخابر مع المشركين في قريش لكي يخبرهم أن الرسول صلى الله عليه على استعداد للقدوم إلى مكة المكرمة.
أما السبب الثاني فكان في معاداة المسلمين لأهلهم من الكفار مثلما فعل النبي إبراهيم عليه السلام مع أهله، والسبب الثالث هو القواعد التي يجب أن يتعامل بها المسلمين مع من يأتوا إليهم من المؤمنان المهاجرات الذين فور أن يثبت إيمانهم لا يتم إرجاعهم للكفار، والتفريق بين المؤمنة وزوجها إن كان كافر مع رد المهر له.
سبب نزول سورة الممتحنة إسلام ويب
انطلقت الأمة سارة من المدينة متجهة إلى مكة، فأنزل الله تعالى جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين، فقام الرسول بإرسال فرسان الصحابة في إثرها وهم (علي بن أبي طالب، الزبير بن العوام، عمار بن ياسر، أبو مرثد، المقداد بن الأسود، وطلحة بن عبيد الله)، فوجدوها بروضة خاخ مثلما أخبر الوحي، فقاموا بأخذ الكتاب منها بالقوة وعادوا به إلى النبي فاستدعى الرسول حاطباً ليسأله عن أمر الكتاب.
أجاب حاطب رسول الله قائلاً (أما واللهِ إنِّي لَناصِحٌ للهِ ولرسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ولكنْ كُنْتُ غَرِيبًا في أهلِ مكةَ، وكان أهلِي بين ظَهرَانِيِّهُمْ، وخَشِيتُ فَكتبْتُ كتابًا لا يَضُرُّ اللهَ ورسولَهُ شيئًا وعَسَى أنْ يَكُونَ مَنْفَعَةٌ لأهلِي)، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه وعفا عنه لتنزل الآيات الكريمة من سورة الممتحنة.
عدد آيات سورة الممتحنة
سورة الممتحنة هي أحد السور المدنية وهو ما أجمع عليه أهل التفسير، كما تعد من سورة المفصل الواقعة بالجزء الثامن والعشرين ما بين الحزب الخامس والخمسين، الربعيْن الثالث والرابع، بلغت عدد آياتها (ثلاث عشر آية) وترتيبها وفق المصحف العثماني السورة الستون.
نزلت سورة الممتحنة عقب نزول سورة الأحزاب واهتمت مثل باقي السور القرآنية بالجانب التشريعي عبر التطرق إلى حكم المعاهدين، وموالاة أعداء الله، وحكم المهاجرات من المؤمنات إلى المدينة والعديد من الأحكام التشريعية الأخرى.
موضوعات سورة الممتحنة
يمكن التعرف على موضوعات سورة الممتحنة من خلال فهم أسباب نزول بعض آياتها، لذا سوف نعرض فيما يلي بعض المواقف التي تنزلت لأجلها آيات من سورة الممتحنة وسبب نزول كل آية منها:
- حينما أنزل الله سبحانه الآية السادسة من سورة الممتحنة والتي قال فيها (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، عادى من دخل بالإسلام أقاربه من المشركين وكانت عداوةً بينةً اقتدوا فيها بالنبي إبراهيم عليه السلام حينما عادى أهله لعبادته الأصنام، فأنزل الله سبحانه قوله في الممتحنة الآية السابعة (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
- قول الله تعالى في سورة الممتحنة الآية الثالثة عشر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)، فقد نزلت تلك الآية الكريمة في فقراء المسلمين من أهل المدينة، ممن كانوا ينقلون إلى اليهود أخبار المسلمين مقابل الحصول على بعضاً من ثمار بساتينهم لذا أنزل الله سبحانه تلك الآية الكريمة لينهيهم عن القيام بذلك الفعل.
من هي الممتحنة
في سورة الممتحنة الآية العاشرة قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وقد نزلت تلك الآية الكريمة في (سبيعة بنت الحارث الأسلمية) التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الانتهاء من كتابة ما تم وضعه من شروط لصلح الحديبية والتي قد تضمنت رد جميع من قد أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل مكة، وحين أتت سبيعة إلى الرسول تعلن إسلامها أتى زوجها مطالباً بردها، لذلك أنزل الله سبحانه تلك الآية الكريمة.
سبب تسمية سورة الممتحنة
تُنطق الممتحنة بكسر الحاء والتي يقصد بها المُختبرة بمعنى التي نزل بها الاختبار أو الامتحان، وذلك هو أشهر القول لدى جمهور الفقهاء وأهل تفسير القرآن، إذ ورد ذكر الامتحان بمعرض الحديث حول اختبار المهاجرات المؤمنات من مكة إلى المدينة، والذين ورد فيهم قول الله تعالى في الممتحنة الآية العاشرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ).
كذلك تُنطق الممتحنة بفتح الحاء، وتشي في تلك الحالة إلى المرأة التي وقع الاختبار والامتحان عليها في إيمانها وكان الغرض من ذلك الاختبار التأكد من مدى صدق إيمانها، وكانت من المؤمنات المهاجرات أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط زوجة الصحابي (عبد الرحمن بن عوفٍ)، وهناك أسماء أخرى تطلق على سورة الممتحنة وهي الامتحان أو سورة المودة.
مقاصد سورة الممتحنة
- أنه لا طاعة لأي مخلوق في معصية الخالق، حيث إن رضى الله سبحانه مقدم على كل شيء.
- أمر الله سبحانه بترك صحبة الكافرين ومصاحبة المسلمين، وهو ما ورد فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ).
- إن المسلم المحب لدينه يصبو نحو إظهار كل ما هو جيد وخير حول المسلمين وذلك لكي تنعكس أفضل صورة عنهم لدى الكافرين لكي يحببهم ذلك في الدين الإسلامي.
- العمل في سبيل الإسلام والولاء له، والبعد عن الخوض في علاقات محبة وود مع الكافرين في غير علاقات العمل وهو ما تدل عليه قصة طلحة في سورة الممتحنة.
- العمل والعمل هما ما يرفعان من شأن المسلم ومكانته وتميزه عن غيره من البشر.
- على جميع المسلمي بناء علاقاتهم مع الآخرين في المجتمع على مبدأ الإيمان، دون النظر إلى الفقر أو الغنى، العرق أو الجنس أو اللون، حيث إن الجميع هم سواسية لا يميز بينهم إلا الإيمان بالله فقط.
- على جميع المسلمين التصرف وفق توجيهات الله تعالى وأوامره ونواهيه، وما وضعه المنهج الإسلامي من مبادئ.