من المعلوم أن أي موضوع ذُكر فيه الإسلام يُستحضر فيه انتهاء هذه الدنيا والوصول إلى الآخرة، فهي آخر مطاف هذه الإنسانية، وبذكر الإسلام والآخرة ينصرف الذهن مباشرة إلى شيئين :
- أولهما : النصوص المقدسة التي هي المصدر الوحيد المطلوب إيمان المسلم فيها بالغيب، وأن كل ما جاء فيها من ذكر الآخرة وما سيجري هو صحيح وحده من دون أي كلام لا يتوافق معه مبنى ولا معنى.
- ثانيهما : ساكن الآخرة إلى الأبد هو هذا الإنسان الذي يطلق عليه من جهة الرجل مفردا وجمعا ويطلق عليه النساء جمعا والمرأة فردا، كما يطلق عليه الذكر والأنثى مفردا وجمعا، كما يجمعه في كلمة واحدة لفظ الناس والإنسان.
ونحن المسلمين لنا في الإسلام أوصافنا الخاصة بنا من قبيل الإيمان والصبر والصدق، فإذا ذكرنا بأي لفظ من هذه الصفات بخطاب جمع المذكر دون تفصيل أو الاسم الموصول أو اسم الإشارة؛ فكل ذلك يعنينا جميعا ذكورا أو إناثا، وإذا وصف كل بوصفه الخاص به فتلك الخصوصية مقصودة في اللفظ، سواء وقع التتابع في اللفظ بين الجنسين أو كان الخطاب موجهًا لأحدهما من دون ذكر الآخر لخصوصيته.
وسبب ذكر هذا التفصيل والتحليل لأنواع الإنسانية وتناول مصيرها في الآخرة هو تأكيد أن الحالة التي يوجد فيها إنسان الآخرة هي المحددة لفضله أو مكانته؛ أي: هي الميزان الذي أقامه الله لتحديد أفضلية الإنسان، أيا كان جنس الإنسان ذكرا أو أنثي وبغض النظر عن لونه ولغته.
وهنا يقول الله تعالى في شأن توضيح ذلك المصير (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز)، ويقول في شأن ذلك الوقت الخصوصي لهذا الفوز (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)، أي: الحياة.
بين الرجل والمرأة
من هنا سوف ننطلق إلى قضية المساواة بين الرجل والمرأة أو الذكر والأنثى.
ونبدأ هذا التساوي المطلق بهذه الآية (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ويلاحظ هنا أن الذي يتولى هذا الجزاء هو الله تعالى نفسه كما تبين ذلك نون المتكلم الذي كان عظيما في الجملتين، وبهذه الآية تنتهي نهائيا المفاضلة بين الجنسين بالحكم من الله بالتساوي في الحياة الأبدية (ومن أصدق من الله قيلا).
أما الطريق إلى هذا التساوي فقد وضّحها الله تعالى بذكر هذه الأوصاف لكل منهما بذكر جنسه الخاص به، واكتفى هنا بذكر الصفة عن الموصوف لاستحالة وجود صفة من دون موصوفها، حيث يقول تعالى ذاكرا الصفات الجميلة ذكرا متداخلا لئلا تكون أسبقية السرد المستقل أو تأخره يدلان على أي تمايز: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) إلى آخر تلك الأوصاف الموحدة توحيدا لا عوج فيه “ولا أمتا”، وختمها بالضمير المذكر الموحد لهما في اللغة العربية إذا اكتفى المعنى بذكره ليتم الجمع في النتيجة بلفظ واحد مفهومة دلالته في اللغة، وفي النهاية قال تعالى (أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، فالضمير يجمعهما وكذلك أوصافه.
وهناك آيات أخرى تتساوى فيها أوصاف العبادة بين الذكر والأنثى، إلا أن الله لحكمة يعلمها، وسوف أحاول الدندنة حول فهمها بالفكر الإنساني المحدود، ألا وهي ذكره هذه الأوصاف بالجمع المذكر الذي كما قلنا يدخل فيه ذكر النساء إذا لم يدخله استثناء ولا تقييد.
ولكن الله هنا حذف في مكان آخر أوصافا تشابه الأولى لعدم توجه الصفات إلى قدرة النساء عليهن في الغالب.
ويقول تعالى بضمير جمع الذكور (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين).
وعندما ذكر هذه الأوصاف بضمير الأنثى قال (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا)، والوصف هنا لم يصل إلى الآمرات بالمعروف الناهيات عن المنكر والحافظات لحدود الله.
ويفهم من هذا -والله أعلم- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ حدود الله العامة هو من اختصاص السلطان، والغالب أن يكون السلطان من الرجال كما أن الرسل كلهم من الرجال، وتلك إرادة الله على هذه الأرض ولا معقب لحكمه.
ففي الأمر بالمعروف الذي هو إقامة حدود الله في الأرض على عباده يقول تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). وتدخل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الصلاة أي فرض إقامتها، وكذلك الزكاة، أي فرض أدائها .
دمتم بخير .