أن للسحر أنواعًا كثيرة منها ما هو حقيقيٌّ ومنه ما هو ليس حقيقيًا أبدًا، أمَّا مذهب أهل السنة والجماعة فهو يقرُّ بأنَّ السحر حقيقيٌّ لا شكَّ في وجوده، حيث قال الإمام النووي -رحمه الله- في مسألة وجود السحر: “والصحيح أن السَّحر له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء”،
واستدلَّ أهل السنة والجماعة بقول الله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚوَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚوَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚوَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚوَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚوَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚلَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}،[٤]
أمَّا المعتزلة فيرون أنَّ السحر ليس حقيقيًا وإنَّما هو مجرد خيال وتمويه وحيلة، حيث يقول ابن حزم: “وقد نص الله -عزَّ وجلَّ- على ما قلنا، فقال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ}،
[٥] فأخبر الله تعالى أنَّ عمل أولئك السحرة إنما كان تخيلًا لا حقيقة”، والله تعالى أعلم.
[٦] أمَّا فيما يتعلق بإجابة السؤال: ما هي أنواع السحر، فأنواع السحر تختلف باختلاف ما يستعين به الساحر في السحر، فمن السحرة من يستعين بالجن ومنهم من يستعين بالكواكب ومنهم من يستعين بالنفخ في العقد والرقى ومنهم من يكون يعتمد على خفة يده وسرعة حركته، وبناءً على هذا يمكن الإجابة عن سؤال ما هي أنواع السحر بالشكل الآتي:
[٧] سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية: ويكون هذا السحر من خلال الوهم والتخيل لأمر ما، حيث تُعدُّ العين من أنواع هذا السحر، وهي حق كما قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث: “العينُ حقٌّ ولو كان شيءٌ سابقَ القدَرِ لسبَقَتْه العينُ وإذا استُغْسِلْتم فاغسِلوا”،
[٨] والله أعلم. سحر يستعان فيه بالكواكب: وهو سحر الكلدانيين والبابليين القدماء، وهم قوم صابئة يعبدون الكواكب من دون الله، حيث يعتقد هؤلاء أنَّ الكواكب هي المدبرة لكلِّ شيء في هذا العالم، فدفعهم هذا الاعتقاد إلى مقابلة هذه الكواكب ببخور وزي خاص سعيًا للحصول على طاعة هذه الكواكب، وقد أبطل الله هذا الزعم على يد نبيه إبراهيم عليه السلام،
ومن أبرز أنواع هذا السحر: ما يعتمد على الطلاسم وما يعتمد على حركة الأفلاك والكواكب وغيره،
يقول الشيخ الشنقيطي في هذا النوع: “ومعلوم أنَّ هذا النوع من السحر كفر بلا خلاف؛ لأنَّهم كانوا يتقرَّبون فيه للكواكب كما يتقرب المسلمون إلى الله، ويرجون الخير من قبل الكواكب، ويخافون الشر من قبلها كما يرجو المسلمون ربهم ويخافونه، فهم كفرة يتقربون إلى الكواكب في سحرهم بالكفر البواح”، والله أعلم.
الاستعانة بالأرواح الأرضية: أي أن يستعين الساحر بالجن الذين ينقسمون إلى مؤمنين وكفار، والاستعانة تكون بالجن الشياطين، ويكون هذا الاتصال بشيء من الرقى الخاصة بالسحرة، حيث قال الرازي في هذا النوع: “إنَّ أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أنَّ الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن”. النفاثات في العقد: والمقصود بهن السواحر اللواتي يعقدن وينفخن، وقد ذُكر هؤلاء في سورة الفلق في قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}،
[٩] فيُراد بهذه العُقد التي يُنفث فيها السحر، ويُسمَّى هذا النوع من أنواع السحر بالرقى أيضًا، وقد فعل هذا السحر اليهودي لبيد بن الأعصم برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي هذا النوع يستعين الساحر بالأرواح والشياطين بشكل واضح، والله أعلم.
الشعبذة : وهذا النوع من أنواع السحر قائم على ما يخطئ به البصر، حيث يقوم الساحر بفعل شيء يذهل الأبصار ويأخذ بعيون الناس، وهذا ما فعله سحرة فرعون بالناس،
حيث قال تعالى في سورة طه: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ}،
دمتم بخير .