كنت أغض الطرف عن قيل وقال وكل حرفٍ لاذع، الذي يخترق سمعي بلهيب الغُلُول، ويمزق قلبي إرباً بخنجر الغدر المسموم، لم أكن بذلك الغباء بل أشعر وأعي بما يدور حولي، فسكون أركاني لم يكن إلا هدوء ما قبل ثوران العاصفة الهوجاء، كنتُ أحاول دائماً أن أبعد عن حقول فكري زمهرير الالتباس الملوث، وبراكين الظنون الخبيثة، لأن بداخل أرصفة أضلاعي مضغة تحمل صفحات من صفاء النية، وبريق من نقاء الطيب الذي يزيل شبح الخديعة، وما أنا إلا سلسبيل الكرم أجود بالعطاء، لذلك لم أصدق ما يقال وما يُحاك من خلفي .. ؟! فهل ما سمعته حقيقة أم من نسج الخيال وأساطير الجن ..؟ ليتني متُ قبل هذا وكنتُ في عالم النسيان ..!!
فجأة هبت رياح ضروس اقتلعت ما تبقى من تلك الأغصان الهادئة، فاكتفيتُ بما سمعت من براثن الحروف ورأيت من البشر ما لم يخطر على البال وليست لها وصوف .. ! فذرفتُ أمطار الوجع الذي أسقط أوراق الأمل، وذكريات الفرح، فأصبحت كصقيع في أجراس المدى، عجباً لمن يتغير ويتلون وينسى بل يتناسى أرجوحة أوقات المرح، ويركلك في ثواني، فتغدقك الخيبات لحناً فتّاك ..؟
فقد سُلب مني عنفواني المدلل الذي أتظاهر به بتسابيح القوة، دعوات الإرادة على مآذن جدار كياني، وابتسامة كالقمر تلوح في كبد سماء الأتراح، ثم بدأتُ أنزف دون صوت ليسقط بلسم كبريائي في محطة نقض العهود، هنا بغضتُ ضعفي وقلة حيلتي، حين ذُبح جناح روحي المرحة، فشربتُ جرعاتٍ من غيوم العلقم، منثورة بأشواك الجفاء، فحمل لي نسيم الحزن رداء الألم مرفرفة بجروح تفيض بالقروح لا يمكن أن تطيب ..!!
سأكتفي بصلواتٍ من الصمت، خشوعٍ من ديباجة المشاعر المنهكة، وسأدفن مزامير المحبة، قلاع المودة، أناشيد الألفة بضريح القلوب المكلومة، ثم انتزع الثقة من نبضي الذي دمر حانات شرايني وأزقة روحي، ليموت غيث حلمي وتتلاشى جذور الأماني، فيرحل طيف جميل أبصرتُ بعده حقيقة مشرقة تفيض حنظلاً .
همسة :
جروح تهل عليك وتروح .. وجروح صعب عنها نبوح .. كأني من الهم طائر مذبوح .. سأصمت وابني لها صروح.
دمتم بخير .